انشالله ينال إعجابكن :
يوحي بالصلابة.. وتاريخها أيضاً.. تعاقبت على أرضها حضارات عديدة من عصور ما قبل الميلاد وإلى اليوم، جميعها زالت.. إلا هي فلا تزال تحتفظ بصلابتها وآثار تلكالحضارات التي عاصرتها.
قرية "المتونة" إحدى قرى منطقة "اللجاة" في محافظة "السويداء"، تتربع على الحد الفاصل بين صخور "اللجاة" البازلتية والأراضي السهلية وتبعد عن محافظة السويداء مسافة 28 كم، يمر وادي اللوا من منتصفها ويفصل صخور "اللجاة" عن أراضيها، تاريخ هذه القرية موغل في القدم وهذا ما دلت عليه المكتشفات واللقى الأثرية فيها.
ورد اسم "المتونة" في حوليات الملوك الآشوريين التي تعود للقرنين الثامن والسابع قبل الميلاد، في عهد الملك الآشوري "تغلات بلاسر"، آثارها تعود لجميع الفترات التاريخية والحضارية التي مرت بها المنطقة من نبطية وكنعانية ورومانية ويونانية وغسانية وبيزنطية وعربية إسلامية، أي من الفترة السلوقية النبطية حتى فترات البرونز الوسيط الثاني، عندما تتجول في قرية "المتونة" تجد كنيسة بيزنطية كبيرة وكنيسة صغيرة ومساكن رومانية محمولة على أقواس قناطر منحوتة ومسقفة بقطع صخرية تسمى "الربد" وسواكف منقوشة وتيجان أعمدة وبقايا بعض التماثيل التي تعود للفترة اليونانية، كما يوجد أيضاً مدافن تعود للألف الثاني قبل الميلاد وعدد من الخرائب كخربة "المتونة" وخربة "رجم العيس" ولقىً فخارية.
عام 1984 قامت بعثة التنقيب الأثري في قرية "المتونة" برئاسة الدكتور "ميشيل مقدسي" مدير الآثار في سورية ، «قامت البعثة بإجراء مسوح أثرية ابتداءً من موقع "السويمرة" جنوباً، وباتجاه موقع "اللبوة" أو كما تعرف "بلبوة السويمرة" غرباً، وأيضاً باتجاه "رجم العيس" و"رجم المدفع" وموقع "المرصرص" مروراً بموقع "المتونة" ومشاتل البدو.
ومن خلال هذه المسوح والأسبار وأعمال التنقيب التي استمرت لأكثر من موسم أثري تنقيبي تبين أن المنطقة تمثل مراحل تاريخية متشابهة ومتماثلة، وإن توقفت في "اللبوة" في فترة البرونز القديم أي في الألفين الثالث والرابع قبل الميلاد، وآثار "اللبوة" بارزة وهي السور الرئيسي والسور الداعم والأبراج والمباني السكنية المهدمة، والمدافن خارج سور القلعة والممرات الداخلية، كما عثر أيضاً على مدفنين وسط القرية ومدفن في مشاتل العرب، فأما مدفن وسط القرية فلقد تم التنقيب في جزء منه حيث الأجزاء الباقية وضع فوقها أساسات بناء لعمار حديث، وما عثر
عليه في المدفن عظام كبيرة وعظام صغيرة لطفلين موضوعة في أوعية فخارية، والأثاث الجنائزي الذي عثر عليه يتمثل بأكواز من الفخار تتراوح بين كبيرة وصغيرة وطاسات وكؤوس وجرار وصحون وسرج فخارية والأهم هو مشبك أو حزام خصر من البرونز يطلق عليه اسم "توغل بان" وجميع هذه القطع محفوظة حالياً في متحف "السويداء"، وهي تعود لفترة البرونز الوسيط الثاني بين عامي 1500ـ 1800 قبل الميلاد.
القطع التي عثر عليها تماثل ما عثر عليه في "بصرى" و"تل الصالحية" و"يبرود"، كما عثر أيضاً على حزام خصر في "أوغاريت" رأس شمرا، وفي "تل سوكاس" و"تل كزل"( "سيميرا") وهي مدينة مفقودة على الساحل السوري.
«أما في موقع "رجم العيس" فلقد عثر على مخازنللحبوب مطوية بالحجارة وتحت مستوى الأرض، إضافة لذلك أخذت المدافن أشكالاً متنوعة بعضها يمثل المدفن الكنعاني المعروف وهو عبارة عن حفرة ثم ميل بأحد الاتجاهات ومغطاة بغطاء صخري، وهناك مدافن موجودة في تجويفات صخرية طبيعية توضع فيها جثث الموتى وتغلق أبوابها، وفي كل تلك المدافن التي تم التنقيب فيها عثر على نماذج فخارية بعضها محلي الصنع من عجينة تلك المنطقة وبعضها مستورد،
ويوجد نماذج فخارية مستوردة من مصر حيث إن العجينة مصنوعة من رمل هش، ومن المكتشفات أيضاً إبريق بعروتان متلاصقتان، والحقة وهي مصنعة من التراب المحلي وكانت تستخدم لوضع الزيوت والعطور.
وفي "مشاتل العرب" عثرعلى موقع المساكن التي تعود إلى العصر الحجري وسبب إعادتها إلى تلك العصور هي أنها لا تحوي فخاراً ولها أشكال معمارية دائرية وبيضويّة تشبه المستوطنات الأولى في مواقع اللطامنة في "وادي العاصي".